التعليم في عهد الدولة السعودية الأولى
مظاهر الازدهار العلمي في عهد الدولة السعودية الأولى
ويمكننا تلخيص المظاهر في هذه السمات: أولا: زيادة العلماء والمعلمين حيث ذكرت المصادر أنه بلغ عدد العلماء في الدرعية 400 عالم. ثانيا: تنوع العلوم والمصنفات حيث برز الاهتمام بعلم العقيدة وعلم التفسير والحديث وعلوم اللغة العربية والتدوين التاريخي وعلم الفقه. ثالثا: الاهتمام بتعليم العامة حيث شملت عناية الدولة جميع المواطنين من خلال إرسال المعلمين إلى القرى والبادية وتثقيف الناس عن طريق الخطب وحلقات الدرس والحرص على إرشادهم لما ينفعهم في دينهم ودنياهم. رابعا: جمع الكتب وتكوين المكتبات حيث ظهر اهتمام الدولة بهذا الجانب في زيادة الكتب المؤلفة والمختصرات والرسائل العلمية بالإضافة لظهور مكتبات عامة وخاصة في بعض مناطق الدولة السعودية الأولى مثل مكتبة الدرعية في نجد وغيرها من المكتبات الخاصة في مختلف أقاليم البلاد. وهذه السمات تعد مؤشرًا قويا على ازدهار التعليم في الدولة السعودية الأولى، وتدل على دور حكامها الفاعل في الحرص على نشر مبادئ الدين الصحيح والثقافة والاهتمام بالجوانب الفكرية. وبالنسبة لأماكن تلقي العلم في الدولة السعودية الأولى فقد توزعت بين المساجد والكتاتيب وقصور الحكام. فالمساجد بالطبع هي أقدم مؤسسات التعليم وكان من الطبيعي أن يكون لمساجد وجوامع الدولة السعودية الأولى دور ثقافي كبير في نشر العلم الديني الصحيح، والرد على البدع، وإفتاء الناس فيما يخص أمور دينهم ودنياهم. أما الكتاتيب فهي أماكن تلقي العلم بالنسبة للصغار حيث يتعلمون فيها القرآن الكريم واللغة العربية ومبادئ الحساب. وبالنسبة لقصور الحكام فهم حماة الدين الذين يحملون على عاتقهم واجب نشر العلم بين رعاياهم. حيث كانت تقام المجالس العلمية في قصورهم وبيوتهم كما شجعوا أمراء الأقاليم المختلفة على الاهتمام بالتعليم واستضافة حلقات العلم وتعيين مدرسين لتعليم الناس القراءة والكتابة والعلوم الأساسية وخصصت لهم رواتب من الديوان.مراحل التعليم في الدولة السعودية الأولى
ويُجْمِع الكثير من الباحثين على أن مراحل التعليم وأقاليمها تنقسم إلى مرحلتين هما: مرحلة التعليم الأولي، ومرحلة التعليم المتقدم. والتعليم الأولي مثل التعليم في الكتاتيب حيث يقوم المعلم بتدريس الطلاب الصغار ويؤهل المتفوقين منهم لمساعدته في التدريس فيما بعد. وكانوا يُعْرَفون باسم (العرفاء) -جمع عريف- ويتلقى المعلم راتبًا أسبوعيا أو شهريًا عن كل طفل يتعلم على يديه. وغالبًا ما يكون الحدّ الأدنى لعمر الطلبة الملتحقين بالكتاب لا يقل عن سبع سنوات. بالنسبة لمواد الدراسة في الكُتّاب فقد كانت تتعلق بتعليم القرآن الكريم واللغة العربية حيث يتعلم الطالب الحروف الهجائية ومبادئ القراءة والكتابة، بالإضافة لعمليات الحساب البسيطة وغيرها من العلوم الأساسية التي تفيدهم في جميع مناحي الحياة. ويستخدمون للكتابة ألواحًا خشبية وأقلامًا مصنوعة من أغصان الشجر، ويكتبون بحبر محلي الصنع من مواد طبيعية. أما بالنسبة للتعليم المتقدم فيقصد به العلم الذي يتلقاه الطالب عن طريق الحلقات العلمية والحد ّالأدنى لعمر الطالب الملتحق بهذه المرحلة لا يقل عن ثلاثة عشر عامًا. يدرسون في هذه الحلقات علوم العقيدة والفقه والتفسير والحديث والسيرة النبوية والفرائض والنحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان. ويتقاضى المعلم أجرا من بيت مال الدولة وهذا دليل واضح على اهتمام الحكام بتشجيع العلم والبذل لطلابه.حضور تعليم المرأة
ولأن تعليم المرأة من الأمور المفروضة في الإسلام “طلب العلم فريضة على كل مسلم” فقد كانت النساء أيضا يتلقين العلم عن طريق الكتاتيب ويتعلمن مبادئ القراءة والكتابة والحساب والعلوم الدينية. ويقوم على تدريسهن نساء يعمل بعضهن تطوعًا وبعضهن يتلقين أجرًا لقاء ما يقدمنه من تعليم. ولو تحدثنا عن الجهاز التعليمي في الدولة فقد تمثّل في الأئمة حكام البلاد، والعلماء، والقضاة، والمعلمين. نستنتج من ذلك أن مهمة التعليم ليست مقتصرة على المعلمين فقط، بل أن حكام البلاد أنفسهم استشعروا أهمية العلم وحرصوا على نشره وكانوا خير قدوة لرعاياهم ومن أمثلة ذلك ماورد في كتاب (تاريخ نجد الحديث) في وصف الامام سعود الكبير بن عبد العزيز بن محمد بن سعود: “فقد كان مولعًا بالعلم، محبًّا للعلماء والطلاب، فلم يستنكف من عقد مجالس للمطالعة والتدريس في قصره وتحت إشرافه عندما يكون في العاصمة. بل كان هو يتولى التعليم في بعض الأحايين فيدهش حتى العلماء بما كان يحسنه من علمي التفسير والفقه. وبالرغم من تعدد مشاغله ومشاكل ملكه البعيد الأرجاء، كان يزور مجالس تدريس العامة، فيطلع على أعمال الطلبة ويجزي منهم الأذكياء المجتهدين”* وبالتالي يمكن القول بأن أئمة الدولة السعودية الأولى نقلوا البلاد إلى عصر جديد، اتسم بالاستقرار والأمن والازدهار وتطبيق الشريعة الإسلامية مما مكن الشعب من العيش في بيئة مهيئة لتلقي العلم ونشر الثقافة. كما أُنشئِت في عهد الدولة السعودية الأولى العديد من المؤسسات والنظم الإدارية وأصبحت الدولة تتمتع بمكانة عظيمة نتيجة لقوتها واتساع رقعتها ومبادئها الراسخة وحرص قادتها على تلقي العلم ونشر المعرفة وتثقيف المواطنين وخدمة المجتمع والارتقاء بمستواه الحضاري. وهذه النهضة العلمية التي عرفتها الدولة السعودية من بدئها تمثّل الجذور الأولى الضاربة في ماضي التاريخ منذ ثلاثة قرون، موغلة في تاريخ حضاري عريق يعنى بالعلم والعلماء والحياة الفكرية. وتؤتي ثمارها في وقتنا الحالي في التقدّم العلمي الذي نعيش ذروته الآن.المصادر:
-التعليم في عهد الدولة السعودية الأولى (1157 _ 1233هـ / 1744 _1818م) – حشيم بن غازي بن عبدالله الشريف – تاريخ نجد الحديث – أمين الريحاني -التعليم في نجد – نورة الحامدشارك هذا المقال
مقالات ذات صلة
الذكاء الاصطناعي أداة المستقبل في يد المعلم
تكمن أهمية الذكاء الاصطناعي في قدرته العالية على المساهمة في تسريع وتعزيز التطور التقني وزيادة فرص الابتكار والنمو في مختلف...
التنمر المدرسي: مسألة خطيرة قابلة للحل
التنمر مشكلة مزمنة ومؤرقة لا تكاد تخلو مؤسسة تعليمية منها. ولأن الطفولة هي مرحلة بناء وتأسيس شخصية الإنسان، يعد التنمر...
انضم للنشرة البريدية
سجل معلوماتك لتصلك آخر أخبار الدورات التدريبية